الثلاثاء، ديسمبر ١١، ٢٠٠٧

العقل زينة

السلام عليكم

بالأمس قال لى أحد أقاربى متحدثا عن أحد علماء الدين ... هذا العالم يعجبنى كثيرا ... انه يفهم العصر الذى نعيش فيه ويفتى من هذا المنطلق!؟


استثارت هذه الملاحظة فى ذهنى مظاهر عديدة -أراها هذه الأيام- للحكم على العلماء بمقدار إدخالهم للعقل فى الأحكام الشرعية ... فالناس اليوم ترى أن أكثر العلماء حكمة هم الذين يجتهدون فى تفسير النصوص الشرعية وإن زاد هذا التفسير عن مجرد اجتهاد الى ماهو أبعد من ذلك من تحميل النصوص مالا تحتمله من المعانى للوصول لنتيجة يريدها العالم أو الداعية.


ما أناقشه اليوم ... هو إدخال العقل كثيرا فى تفسير النصوص الشرعية ... أو حتى الإجتهاد بالعقل بدون سند شرعى من الأساس ... ويظهر هذا الأمر –إعلاء جانب العقل على جانب النقل- فى مظاهر عدة:


· أولها: تحميل النصوص مالا تحتمل من المعانى، وتجد هذا بكثرة -هذه الأيام- على القنوات الفضائية ... حيث انتشرت هذه القنوات بكثرة .... وأصبح من ضرورات استكمال الشكل الإعلامى لها تضمن هذه القنوات لبرامج دينية وذلك لإستكمال الشكل الثقافى للقناة .... ولأن هذه القنوات لاتريد "تشددا" أو بالأحرى هم يريدون دين "مودرن" لا يعقد الحياة –من مفهومهم القاصر- فهم يلجأون لأى أحد يمكنه أن يتكلم فى الدين ... عالما كان أم جاهل ... ربانيا كان أم من فقهاء الدنيا والسلطان ... فهؤلاء المتظاهرين بالتفقه والتفكر والإجتهاد ... يطلقون العنان لأرائهم فيدخلون الرأى فى النقل فيخلطون عى الناس دينهم ... فتجد بعضهم أحيانا يطلق الفتاوى بدون الإستشهاد بحديث واحد أو آية قرأنية واحدة ... فهؤلاء خطرهم عظيم ... ليس فقط لما يفتون به خطأ فيَضلوا ويُضلوا ... ولكن أيضا يعطون صورة عن العلماء الربانيون الذين يريدون ايصال العلم للناس على مراد الله -فينصلح أمر دينهم ودنياهم- أنهم "متشددون" ... هذه الكلمة التى لا تجد لها الأن معنى واضح سوى استثقال الناس لتنفيذ الأوامر الشرعية فلا يجدوا مخرجا من هذا إلا الحكم على هؤلاء العلماء –الذين ينقلون حكم الله من القرأن وصحيح السنة- بالتشدد. أنا هنا لا أنقض الإجتهاد فى حد ذاته ... فإن الإجتهاد فى الإسلام من أهم عوامل مسايرة الإسلام للعصر وملائمته لجميع العصور والاماكن ... ولكن زيادة هذا الإجتهاد عن حده وإستخدام نصوص عامة لحالات خاصة هو ما اقصده ... فالشريعة الإسلامية هى خير الدنيا والأخرة مهما بدا فيها من غرابة وذلك لسببين ... الأول أنها من عند الله الخالق العليم الحكيم ... والآخر ان العقول تتفاوت فمايقبله عقلى يرفضه عقلك فلا يجوز اخضاع الشرع للعقل.


· ثانيها: اطلاق الناس للفتاوى فيما بينهم وبين بعضهم البعض –بدون الرجوع لعالم ربانى- متعللين أن الدين هو ديننا جميعا ... وأن هناك قواعد ثابتة للدين يمكن الحكم بها على أى حالة ... كما ان الرسول الكريم –صلى الله عليه وسلم- قال (استفت قلبك ولو أفتاك الناس). وهؤلاء يقولون كلمات حق ولكن وضعت فى غير مرادها ... فكلمة أن الدين ديننا جميعا فهى كلمة حق ولكن ... يظهر أثر هذه الكلمة فى الدعوة لهذا الدين وتحمل مسؤليته ... لا التدخل فى التشريع واطلاق الفتاوى ... فمثلا عندما نعلم أن 90% من سكان النيجر المسلمة يعانى من مجاعة فهنا تظهر المسؤلية عن هذا الدين جلية فى تقديم المساعدات لهذه الدولة المسلمة دون انتظار دعوة من العلماء أو حتى الحكومات ... لأن هذا الدين ديننا جميعا وأهله اخواننا... وليس معناها اطلاق الفتاوى بدون علم ... فالعلم الشرعى علم كأى علم ... لايجوز الكلام أو إطلاق الأحكام فيه إلا بأسانيد من صحيح هذا العلم ... فلا يعقل أبدا أن يأتى شخص عادى غير عالم بأمور الفيزياء ولا يعلم منها إلا مايعلمه جميع الناس من الدراسة الإعدادية والثانوية ... ويقول أن أينشتاين كان مخطئا فى النظرية النسبية وأن الطاقة لاتساوي الكتلة فى مربع سرعة الضوء ... فهذا الشخص لن يجد أذن مصغية له ... ولكن للأسف هذا يحدث فى الدين ... ولا أعلم لماذا؟؟


وقولهم أن هناك قواعد ثابتةيمكن بها الحكم على الأمور الدينية فأقول ... أن هذه القواعد لن تجدها معلومة بالكامل لدى هؤلاء الناس من العوام ... وحيث أنه لا يمكن الحكم على أمر إلا بالعلم بكل هذه القواعد فلا يمكن لهؤلاء الناس أن يفتوا لأنفسهم ... كما أن كثيرا من الأمور تكون أعقد من حيث الدراسة مما تظهرر للوهلة الأولى ... فلربما حكم أحد الناس على قضية ما بقاعدة ما وهو لايعلم أن لهذه القاعدة إسثناءات فى السنة أو أن لهذه القاعدة قاعدة أخرى هى أولى فى التطبيق فى هذه الحالة.

وأما الحديث الشريف (استفت قلبك ولو افتاك الناس) فأقول ... أن القلب المؤمن الراغب فى تحقيق شرع الله يكون لديه حس فطرى للخير فيستشعره من بعيد ... وينفر من الشر ... ولكن أحيا نا يكون هذا الشر أو الخير دقيقا لطيفا لا يظهر بوضوح فمثلا ... كيف يستطيع القلب أن يهتدى لحكم مسح الجورب أيكون على أعلاه أم على أسفله؟؟ ... فبالتالى أنا أفهم هذا الحديث على أنه ... إذا وقعت فى قضية شرعية أريد حكم الشرع فيها ... فأنا أذهب الى عالم ليفتينى ... فابتداءا استفتى قلبى فى هذا العالم ... هل هذا العالم يفتى لوجه الله أم أنه متبعا لهوى أو بدع أو لأوامر سلطان ... فاذا اطمأننت اليه سمعت فتواه ... فاذا كان هناك خلاف فى هذه الفتوى ... استفتيت قلبى فى هذا الخلاف قاصدا طاعة الله وتنفيذ شرعه ... ثم اتبعت ما أفتانى به قلبى من اختيار بين الرأيين المعتبرين من العلماء الربانيين فى هذه القضية وليس اطلاق الأحكام من مجرد ارتياح القلب بدون علم.

وأخيرا أود اضافة خاتمة لهذه المناقشة...

ما أحوج الأمة الآن الى عقول أبنائها لإصلاح حالها ... ورد اتهامات أعداء الأمة من أن الإسلام يدفع بأتباعه الى الكسل والركون الى الراحة وعدم الإبداع ... أصبح حالنا الأن مذريا حقا ... نستعمل كل شئ فى غير مكانه ... فتركنا استعمال العقل فى الإبداع والإنتاج ونفع البشرية –ولا أقول المسلمين فقط فرسالتنا عالمية- وأخذنا نعدّل ونضيف ونحذف من شرع الله -الذى هو أكمل تشريع- مستخدمين عقولنا فى غير مواضعها.


وأنا أرى أن مشكلة اعلاء جانب العقل هذه ... انما سببها الرئيسى هو خواء عقول شبابنا وأخوتنا وأبائنا من الرغبة فى الإبداع –كل فى مجاله- فلما خلت عقولنا من الإبداع تفرغت للبت فى ماليس لنا فيه ناقة ولا جمل ... مثلنا كمثل العاطل الذى إتجه للإرهاب ... هكذا حال موارد الإنسان –من قلب وعقل وجوارح- ما لم نشغلها بالمنافع شغلتنا بالمفاسد.


وأخيرا ... أعلم أنى قد ضغطت اليوم على الجراح بشدة ولكن ... ماهذا إلا لحبي لهذه الأمة العظيمة وغيرتى عليها وخشيتى من خروجها عن الجادة.

أخوكم ... واحد من المسلمين

السلام عليكم

ليست هناك تعليقات: